بهذا الوصف عرفت أحلام مستغانمي بطل روايتها «الأسود يليق بك» فهو لا يكاد يظهر حتى يعود سيداً لغياب أرهق قلب حبيبته، فهي تعيش على أمل لقاء قد يتحقق وقد يذهب أدراج الرياح !
للحب جناحان لايكاد يطير إلا بهما اللقاء والغيرة ! هكذا يحيا ويحيا به العشاق وما زاد عن ذلك فهي طقوس يصنعها كل عاشق على هواه، ورواية «الأسود يليق بك» ظهرت ثيمة الغياب محركاً فاعلاً للأحداث ومن هنا بدأ منولوج داخلي باحت به البطلة حيناً، وأدمى قلبها مرات كثيرة والسؤال هو السؤال عابراً للزمان والمكان: لماذا كان الغياب سيداً شديد الحضور والقسوة أيضاً !
والغياب هو الرفيق الدائم والأيقونة شديدة الحضور في أدب الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، ففي روايتها الأخيرة «شهياً كفراق» تقول «قبل أن تفتح للحب، تذكر أن هذا الزائر المباغت سيباغتك أيضاً في توقيت رحيله، وأن الحب يأتي ليمضي، فالعواطف الجميلة عابرة سبيل والذي يطبطب على قلبك، قد يطبطب لاحقاً على كتفك إيذاناً بالرحيل» ! وكأن الحب لا يكتمل إلا بالرحيل، وفي قصص العشاق ما يؤكد ما تذهب إليه الروائية، فكل قصص الحب الأشهر لم يكتمل ذلك الحب وكأن قدر العشق هو الفراق والغياب والأفول !
ويظهر السؤال السيامي الملازم للرحيل: إن عزَّ اللقاء فهل يذهب الحب ؟ هذا ما يعلنه ابن زيدون الشاعر الأندلسي العاشق عندما أعلن الحب على ولادة بنت المستكفي ودفع ثمن ذلك الحب سجناً وحرماناً من الوزارة، وسطر نونيته الشهيرة باستحالة النسيان حتى وإن حضر الغياب سيفاً مسلطاً على رقاب العشاق:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يغيرنا
أن طالما غير النأي المحبينا !
الحقيقة التي قررها ابن زيدون هي التغير والتحول ولكن تظل حقيقة نسبية، فليس كل من غاب أو فارق تغير، فقد يظل ذلك الساكن الغائب حاضراً في سويداء القلب لا يتغير أو يتحول بل إن الراحلين هم الذين خسروا بهذا الرحيل والغياب ! يقول المتنبي:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألاَّ تفارقهم فالراحلون هم !
وإن كان الرحيل الذي يقصده المتنبي هنا غير مقام الغياب في العشق ولكن فكرة الرحيل والبعد ربما تكون اختيارا، فالخاسر هو من تسبب في القطيعة لأنه فارق عاشقاً محبا صباً فقده خسارة عظيمة !
ثيمة «الغياب» ملهمة في الأدب ومنتجة للمعنى لأنها تفتق دلالات وتأويلات أكثر إنتاجية من الحضور، وهذا سؤال معرفي مهم لماذا ؟ فثنائية الحضور والغياب استراتيجية من استراتيجيات قراءة النص ولكن للغياب حضوره الأعمق الأجمل !
كاتبة سعودية
للحب جناحان لايكاد يطير إلا بهما اللقاء والغيرة ! هكذا يحيا ويحيا به العشاق وما زاد عن ذلك فهي طقوس يصنعها كل عاشق على هواه، ورواية «الأسود يليق بك» ظهرت ثيمة الغياب محركاً فاعلاً للأحداث ومن هنا بدأ منولوج داخلي باحت به البطلة حيناً، وأدمى قلبها مرات كثيرة والسؤال هو السؤال عابراً للزمان والمكان: لماذا كان الغياب سيداً شديد الحضور والقسوة أيضاً !
والغياب هو الرفيق الدائم والأيقونة شديدة الحضور في أدب الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، ففي روايتها الأخيرة «شهياً كفراق» تقول «قبل أن تفتح للحب، تذكر أن هذا الزائر المباغت سيباغتك أيضاً في توقيت رحيله، وأن الحب يأتي ليمضي، فالعواطف الجميلة عابرة سبيل والذي يطبطب على قلبك، قد يطبطب لاحقاً على كتفك إيذاناً بالرحيل» ! وكأن الحب لا يكتمل إلا بالرحيل، وفي قصص العشاق ما يؤكد ما تذهب إليه الروائية، فكل قصص الحب الأشهر لم يكتمل ذلك الحب وكأن قدر العشق هو الفراق والغياب والأفول !
ويظهر السؤال السيامي الملازم للرحيل: إن عزَّ اللقاء فهل يذهب الحب ؟ هذا ما يعلنه ابن زيدون الشاعر الأندلسي العاشق عندما أعلن الحب على ولادة بنت المستكفي ودفع ثمن ذلك الحب سجناً وحرماناً من الوزارة، وسطر نونيته الشهيرة باستحالة النسيان حتى وإن حضر الغياب سيفاً مسلطاً على رقاب العشاق:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يغيرنا
أن طالما غير النأي المحبينا !
الحقيقة التي قررها ابن زيدون هي التغير والتحول ولكن تظل حقيقة نسبية، فليس كل من غاب أو فارق تغير، فقد يظل ذلك الساكن الغائب حاضراً في سويداء القلب لا يتغير أو يتحول بل إن الراحلين هم الذين خسروا بهذا الرحيل والغياب ! يقول المتنبي:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألاَّ تفارقهم فالراحلون هم !
وإن كان الرحيل الذي يقصده المتنبي هنا غير مقام الغياب في العشق ولكن فكرة الرحيل والبعد ربما تكون اختيارا، فالخاسر هو من تسبب في القطيعة لأنه فارق عاشقاً محبا صباً فقده خسارة عظيمة !
ثيمة «الغياب» ملهمة في الأدب ومنتجة للمعنى لأنها تفتق دلالات وتأويلات أكثر إنتاجية من الحضور، وهذا سؤال معرفي مهم لماذا ؟ فثنائية الحضور والغياب استراتيجية من استراتيجيات قراءة النص ولكن للغياب حضوره الأعمق الأجمل !
كاتبة سعودية